
في أحد المخبرات الفخمة في مانهاتن تم تحويل شريحة صغيرة من البرقوق الى كود عطري رقمي. حيث تعمل شركة أوسمو Osmo الناشئة في تكنولوجيا تصميم العطور. وفي سعيها لتطوير ما تسميه الشركة الذكاء الشمي الاصطناعي، تهدف أوسمو لقلب موازين صناعة العطور باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي حيث تعمل على تقديم عطور خاصة خلال أقل من 48 ساعة.
نبذة عن أوسمو
أعلنت أسمو الشركة الناشئة التي انطلقت في عام 2023 التي تختص في ابتكار جزيئات عطور جديدة من خلال الجمع بين التعلم الآلي وعلوم البيانات والأعصاب والهندسة الكيميائية عن تأسيسيها لدار عطور جديدة أطلقت عليها جيل “Generation”، شركة عطور قائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي.
في غضون أشهر قليلة قامت شركة أوسمو (التي أسسها أليكس ويلشكو Alex Wiltschko) بفحص آلاف الجزيئات باستخدام نموذج الذكاء الإصطناعي الخاص بها والذي أطلقت علي الذكاء الشمي.
العطور هي أذواق شخصية، وحتى اللحظة كان ابتكارها بطئ وغير واضح وغالباً ما يكون بعيد المنال. لقد طورنا الذكاء الشمي لنمنح العلامات التجارية طرق أكثر بديهية وأكثر إبداعا.
أليكس ويلشكو – الرئيس التنفيذي لشركة أوسمو
فعلى سبيل المثال يستطيع الذكاء الشمي تحويل النصوص أو الصور إلى تركيبات عطرية. وأكد أليكس: يقرأ الذكاء الشمي ما عرضته عليه ويفهمه. ثم يطابق المدخلات مع الرائحة وبمساعدة خبير عطور ينتج عينة عطرية على الفور.
منذ إطلاق شركة Generation ابتكرت ثلاثة مكونات عطرية حصرية باستخدام الذكاء الشمي، وهي غلوسين Glossine وفراكتالين Fractaline وكواسارين Quasarine.
نستخدم الذكاء الاصطناعي في ما لا يستطيع البشر فعله أو يعجزون عن فعله بشكل جيد. تقوم هذه التقنية بفحص مليارات الجزيئات لتحدد خصائص السلامة الشمية الفريدة أو الخصائص البيئية
كريستوف لوداميل – صانع العطور في أسمو
تقليدياً، كانت تأخذ عملية صناعة العطر شهوراً إلى سنوات، حيث تبدأ فكرة صناعة العطر بمفهوم أو ذكرى يقدمها العميل. تصاغ عبر العديد من المحاولات والتعديلات والتقييم والتطوير حيث تختبر التوازنات ويتم اختيار المواد الخام بعناية فائقة، وقد تحتاج لسنوات من التجهيز. فالعطر الفاخر يتأثر بالطبيعة والمناخ والمواسم. ولكن هذه الشركة تسعى لتجاوز هذه المراحل التقليدية وتختزل الأشهر والسنوات لتقدم العطر كمنتج رقمي جاهز.
وبالرغم من أن هذه التجربة الأولية للشركة كانت مبهرة ولاقت بعض الإعجاب إلا أنها لاقت كذلك العديد من الإنتقادات. حيث تم وصف الرائحة أنها نظيفة أكثر من اللازم، وبلا تلك العذوبة العضوية، وتأثير الزمن والتخمر الذي يمنح العطر طابعه الفريد. تساءل الجمهور “أين الحرفية وأين صانع العطر!!”
صناعة العطور والذكاء الاصطناعي
وعلى الرغم من أن هذه الشركات تتصدر العناوين في الفترة الأخيرة إلا أن الذكاء الإصطناعي ليس وليد اللحظة، بل له بصمة سابقة في عالم العطور. فشركات مثل جيفودان Givaudan و DSM-Firmenich وIFF وSymrise تستخدم الذكاء منذ سنوات في صياغة العطور وتحسين الأداء. فتقنيات مثل نظام DSM-Firmenich’s EmotiON وCarto الخاص بشركة جيفودان يتم استخدامهم لتحليل التكوينات العطرية وتقترح تعديلات بناء على مكتبة ضخمة من البيانات والمعلومات التي تم جمعها خلال سنوات.
فرانك فويلكل، صانع عطر سانتال 33 وعطر Glossier You يرى بأن الذكاء الإصطناعي لا يسلب الإبداع، بل يمنح صانع العطر وقت إطول للتفكير وليطلق العنان لمخيلته. بعد أن يتكفل الذكاء بحل المشكلات التقنية، فهو يستخدمها كأداة لا غنى عنها، كما يعتمد الجراح على أدواته.
هل الذكاء الاصطناعي فكرة واعدة ام فقدان للحرفة؟
يرة العديدون أن توظيف الذكاء الاصطناعي يقلل التكلفة ويوسع الوصول. ولكن هناك من يخشون أن نفقد الجوهر والأصالة، العمل اليدوي التقليدي الذي يحمل روح الصناعة، والشعور بالمادة والفاعل الحسي مع المكونات. فمع فقدان هذه الأحاسيس والمراحل هل تبقى الصناعة كما هي! أم ستنحدر للأسوأ!.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل هناك العديد من التساؤلات حول المعايير والبيانات التي تعتمد عليها أنظمتها. فلا نمتلك أي معايير أو تقارير بيئية لمقارنتها مع الطرق التقليدية.
وفي الختام كي علينا أن نتذكر أن العطور نشأت من خبرة عقود ومكونات استخرجت من الأرض. من جذور السوسن التي تجفف لسنوات، وخشب الصندل الذي يتم استخراجه بعد عقود. بينما في المقابل تقدم لك هذه الشركات زجاجة عطر خلال يومين !!. يبدو الأمر واعداً لكنه يفرغ صناعة العطور من جوهرها وروحها. فالعطر يأخذ وقت طويل، كل مرحلة في صناعته يتم صياغتها بعناية، تشعر فيها بأحاسيس صانع العطر وذوقه وروحه. فهل تفضل أن تحصل على عطر تمت صناعته من قبل خوارزمية عديمة الإحساس، أم عطر يحمل مشاعر صانعه وشغفه وحرفيته التي صقلها على مر السنين.
المصادر: The Verge | dsm-firmenich.